كتب أوين جونز، في مقال نُشر بصحيفة الجارديان البريطانية، أن المجاعة التي تضرب غزة اليوم ليست كارثة طبيعية، بل جريمة مصمّمة ومعلنة نفذتها إسرائيل أمام أنظار العالم. ويصف الكاتب كيف أن القادة الإسرائيليين لم يخفوا نواياهم قط، بل تفاخروا بها. ومع ذلك، لم يواجهوا أي محاسبة حقيقية، بل حظوا بدعمٍ سياسي وإعلامي غربي متواطئ في هذه الجريمة.
بحسب ما أورده الجارديان، أعلنت الأمم المتحدة من خلال هيئاتها الرقابية أن سيناريو المجاعة الأسوأ يتحقق الآن في غزة. ورغم ذلك، لم تُطرح أي أسئلة جدية لدى الزعماء الغربيين، مثل كير ستارمر، الذي يُروّج لاعتراف رمزي بدولة فلسطينية بينما يتجنب فرض عقوبات فاعلة على إسرائيل أو وقف مبيعات الأسلحة. الكاتب يرى أن الخطاب الغربي لا يطعم أطفال غزة ولا يبرئ الذمم.
أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوآف جالانت، في 9 أكتوبر 2023، فرض حصار كامل على غزة: "لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود"، مبررًا ذلك بالقول إنهم "يقاتلون حيوانات بشرية". في اليوم التالي، وصف جنرال إسرائيلي سكان غزة بأنهم "وحوش بشرية" يستحقون "الحصار الكامل والدمار". بعد ذلك بأيام، تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمنع دخول أي مساعدات إنسانية من إسرائيل إلى غزة.
وسائل الإعلام الغربية تجاهلت هذه التصريحات، أو مرّت عليها مرور الكرام دون الإشارة إلى مخالفتها الفاضحة للقانون الدولي. الكاتب يرى أن هذا التجاهل الإعلامي سمح بتقديم العدوان الإسرائيلي كحرب دفاعية، لا كجريمة ضد الإنسانية.
في مارس 2024، أقر وزير الخارجية البريطاني السابق، اللورد كاميرون، بأن إسرائيل تعرقل إدخال المساعدات. وفي أبريل من العام ذاته، توصلت وزارتان أمريكيتان إلى أن إسرائيل تتعمّد حجب المساعدات، وهو ما كان يوجب قانونيًا وقف تسليحها. لكن إدارة بايدن تجاهلت ذلك، وأصدرت لاحقًا بيانًا انتخابيًا بلا أثر عملي.
قتلت إسرائيل أكثر من 400 عامل إغاثة، وفق الكاتب، وهو أكبر عدد من القتلى بين صفوف العاملين في المجال الإنساني في التاريخ. كما حظرت وكالة "أونروا" وهاجمت قوافل الإغاثة، واستهدفت المزارع والأراضي الزراعية، وقتلت صيادين تحدّوا الحظر الإسرائيلي المفروض على البحر.
جريمة تجويع الفلسطينيين، كما يقول الكاتب، لم تقتصر على منع دخول الغذاء. بل دمّرت إسرائيل البنية التحتية الغذائية بالكامل: الأراضي الزراعية، الثروة الحيوانية، والموانئ. ثم أسّست "مؤسسة غزة الإنسانية" لتوزيع مساعدات رمزية في مواقع تحوّلت إلى ساحات قتل جماعي للفلسطينيين الذين يبحثون عن الطعام.
يستشهد الكاتب بمجزرة فبراير 2024، حين قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من مئة مدني أثناء انتظارهم الخبز. وسائل الإعلام تجاهلت ذلك أو نقلت الرواية الإسرائيلية دون تحقيق، إلى أن أكّدت CNN في تقرير لاحق أن الجيش الإسرائيلي هو المسؤول. لكن مع مرور الوقت، تلاشت الضجة.
في مارس، فرضت إسرائيل حصارًا كاملاً جديدًا، وأزاحت الأمم المتحدة عن إدارة المساعدات، بينما تُرك الفلسطينيون دون غاز للطهي أو مياه نظيفة. آلاف القتلى سقطوا أثناء محاولاتهم الوصول إلى هذه المعونات. الهدف، حسب المقال، هو إجبار السكان على النزوح جنوبًا، لتُحصر حياتهم في منطقة وصفها رئيس وزراء إسرائيلي سابق بأنها "معسكر اعتقال"، تمهيدًا لترحيلهم.
على الرغم من الأدلة الموثقة، تواصل الحكومات الغربية التغطية على هذه الانتهاكات. حتى حين أشار دونالد ترامب إلى أن "حماس تسرق الطعام"، جاء الرد من سيندي ماكين، مديرة برنامج الأغذية العالمي، التي نفت ذلك تمامًا. تحقيقات داخلية أمريكية وإسرائيلية توصلت للنتيجة نفسها: لا دليل على سرقة المساعدات من حماس. بل على العكس، ميليشيات مدعومة من إسرائيل – ترتبط أحيانًا بتنظيم داعش – هي من يسرقها.
المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات توقيف ضد مسؤولين إسرائيليين بسبب سياسة التجويع، لأن الأدلة قاطعة. وحتى لو أُدخلت مساعدات كافية فجأة، فإن أجساد الفلسطينيين أُنهكت بدرجة قد تجعل إنقاذهم مستحيلاً.
ختامًا، يطرح الكاتب السؤال: ماذا فعلنا؟ الغرب لم يكتفِ بالصمت، بل ساند هذه الجريمة. ومع أن التاريخ سيحاسبهم، فحتى ذلك الحين، تبقى غزة تحترق.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/30/israel-starvation-gaza-keir-starmer-west